فتح باب الاستثمار العقاري في السعودية لغير السعوديين
السعودية تعيد رسم خريطة العقار بقرارات محورية تجذب الاستثمار وترفع المعروض
شهدت سوق العقارات التجارية السعودية مؤخرًا سلسلة قرارات محورية زادت من جاذبية القطاع، إذ تركز السعودية على تحسين جودة الحياة للمواطنين والمقيمين، ورفع عدد سكانها إلى 50 مليون نسمة، وزيادة سكان العاصمة الرياض إلى 15 مليون نسمة بحلول عام 2030.
من بين تلك القرارات: السماح بتملك غير السعوديين للعقارات، بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية ونقل الخبرات العالمية والاستفادة منها، بالإضافة إلى إطلاق حزمة محدثة من لوائح رسوم الأراضي البيضاء، وتمديد فترة دراسة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
التملك لغير السعوديين
قال مطر الشمري، المختص في الشأن العقاري في السعودية، لـ«العربية.نت» إن قرار السماح بتملك غير السعوديين للعقار يسهم في تحسين بيئة السكن للمواطنين، من خلال نقل الخبرات والأفكار الجديدة التي تساعد في رفع مستوى التطوير العقاري لدى الشركات والمطورين. وأضاف أن القرار سيخلق فرصًا وظيفية في القطاع العقاري، ما يصب في مصلحة المواطن أولاً، ويعزز حجم المعروض ويحقق التوازن بين العرض والطلب.
وأشار الشمري إلى أن دخول الشركات الأجنبية سيخلق تنافسًا مع نظيرتها المحلية، الأمر الذي يدفع السوق العقاري نحو مزيد من التحسن ويمنحه دفعة قوية، كما يسهم في وضع السوق السعودية ضمن قائمة الأسواق العقارية العالمية.
ولفت إلى أن البعض قد يتخوف من قرار السماح لغير السعوديين بتملك العقار، معتقدين أنه قد يؤثر سلبًا على السوق، لكن الواقع مختلف، فهذا القرار سيحدث توازنًا كبيرًا، لأنه يخضع لضوابط محكمة من الهيئة العامة للعقار، التي ستحدد مواقع جغرافية معينة لتطبيق القرار. وأكد أن القرار سيؤثر إيجابًا على السوق العقاري، وسيعزز الإنتاج المحلي ويرفع مستوى المشاريع والشركات المطورة.
الأراضي البيضاء
بحسب الشمري يسهم قرار إعادة تنظيم رسوم الأراضي البيضاء في تحقيق توازن فعّال بين العرض والطلب داخل السوق العقاري السعودي، لا سيما في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والنمو المتسارع، مثل مدينة الرياض. ويُتوقع أن يعزز هذا القرار من تطوير الأراضي غير المستغلة، ما ينعكس إيجابًا على زيادة المعروض العقاري، ويدعم إطلاق مشاريع تنموية واستثمارية جديدة. كما يساهم في كسر احتكار الأراضي، الذي طالما شكّل أحد أبرز التحديات التي أخلّت بتوازن السوق ووسّعت فجوة العرض والطلب.
ويمتد أثر القرار ليشمل مختلف أطراف المنظومة العقارية، إذ يستفيد منه المطورون العقاريون عبر إتاحة فرص بناء جديدة، ويجد الأفراد خيارات أوسع للتملك، فيما تنتعش شركات المقاولات والقطاع التمويلي مع تحريك مخزون الأراضي.
الإيجارات
أشار الشمري خلال حديثه مع «العربية.نت» إلى أن قرار تمديد دراسة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر يعكس حرص الهيئة العامة للعقار ووزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان على إعداد تشريع متكامل يضمن العدالة والحوكمة لكلا الطرفين. ويُشير التمديد إلى التزام الجهات المعنية بوضع نظام يستند إلى نماذج عالمية ناجحة، مع تكييفها بما يتوافق مع خصوصية السوق السعودي وسلوكيات المجتمع المحلي، وبما يراعي مصالح المالكين والمستأجرين على حد سواء.
ويأتي هذا التوجه في ظل التوسع العمراني والنمو السكاني في المدن الكبرى، وارتفاع الطلب على الإيجارات السكنية والتجارية، إلى جانب تزايد أعداد المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يقودها شباب سعوديون.
إذ يتوقع الشمري أن يُسهم التنظيم الجديد في حماية هذه الفئة من تحديات التأجير غير المنظم، ويعزز من بيئة الأعمال، ويفتح آفاقًا أوسع للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل. ويؤمل أن يسهم هذا النظام الجديد في تحقيق توازن منصف ومستدام في العلاقة بين المؤجر والمستأجر، بما يخدم تطلعات الأفراد والمستثمرين على حد سواء.
«لحظة مفصلية»
من جانبه، أوضح المهندس بندر المعارك، مستثمر ومطور عقاري أن المملكة تقف أمام «لحظة مفصلية» تعيد رسم ملامح القطاع. واعتبر أن السماح بتملك غير السعوديين للعقار خطوة استراتيجية من شأنها جذب رؤوس أموال وكفاءات مقيمة تدعم نضج السوق وتعزز التنافسية والابتكار.
وأشار إلى أن المرحلة الثالثة من رسوم الأراضي البيضاء ستدفع نحو كسر احتكار الأراضي الخام وتحفيز تطويرها، ما يسهم في زيادة المعروض والحد من التضخم السعري. وفي ما يتعلق بتمديد دراسة تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، شدد المعارك على أهمية بناء نظام عادل يستند إلى نماذج عالمية تتوافق مع خصوصية السوق السعودي، بما يعزز الثقة بين الأطراف ويقلل من النزاعات.
وأضاف أن هذه القرارات تتجاوز الإطار العقاري لتصب في مسار إعادة تشكيل التوزيع السكاني، خصوصًا مع توجه الدولة لرفع عدد السكان إلى 50 مليون نسمة، وتُعد العاصمة الرياض، بحسب وصفه، في قلب هذه التحولات، مع مشاريع توسعية كبرى تستهدف مضاعفة عدد سكانها إلى 15 مليون نسمة.
ودعا المعارك العاملين في القطاع إلى تغيير فلسفة الاستثمار العقاري، من منطق الاكتناز إلى التطوير والإنتاج، والتركيز على المشاريع ذات العائد المنتظم، والمواقع المرتبطة بالنمو السكاني، معتبرًا أن السوق العقاري السعودي لم يعد مخزنًا للقيمة فحسب، وإنما ساحة تنافسية حقيقية تتطلب عقلية استثمارية مرنة وواعية.
إلى ذلك، يُعد القطاع العقاري أحد المحركات الرئيسة للاقتصاد السعودي، لما له من ارتباط مباشر بمشاريع التنمية والإسكان والبنية التحتية، كما يمثل بيئة جاذبة للاستثمار المحلي والأجنبي، ويسهم في خلق فرص وظيفية ودعم الناتج المحلي الإجمالي.
تعليق