دويلات متضادة، يسمح لبعضها بجمع التبرعات لمواجهة فيروس كورونا المستجد، بينما تحارَب الحملات المشابهة في الأخرى، بل تكال الاتهامات لرؤسائها.. هكذا بدت تركيا تحت حكم الرئيس رجب طيب أردوغان في ظل "الوباء".
فمنذ الخسارة التي تلقاها أردوغان في الانتخابات المحلية الأخيرة، وفقد بعدها السيطرة على أهم مدينتين في تركيا، وهما إسطنبول وأنقرة، سلك الرئيس التركي كل السبل الممكنة لإفشال التجربة الجديدة لمعارضيه، ومحاربتهم بشتى الطرق بما في ذلك استخدام القوة أو لي ذراع القانون.
ومؤخرا، وجد أردوغان في وباء كورونا فرصة سانحة لكيل لكمات جديدة إلى المدن "المنافسة" في تركيا وكسب أرض سياسية جديدة، بدلا من السعي لإيجاد مخرج من المأزق الصحي الخطير، وفقا لتقرير موقع "أحوال" التركي الإخباري.
ففي تركيا، التي تخطت فيها إصابات كورونا حاجز الـ126 ألفا، لتصبح من بين أكثر دول العالم تضررا من الوباء، سعى أردوغان لاستغلال الأزمة سياسيا، بهدف إظهار سلطته الكاملة على الحكومات البلدية التي يديرها منافسوه، لا سيما حزب الشعب الجمهوري، المعارض الرئيسي.
فقد سمح أردوغان للمدن التي يديرها حزب العدالة والتنمية الحاكم بجمع التبرعات للمساعدة في تمويل تدابير الاستجابة لفيروس كورونا، وفي المقابل، منع المدن التي يديرها حزب الشعب الجمهوري، بما في ذلك إسطنبول وأنقرة، من القيام بنفس الشيء.
وكشف "أحوال" أن السلطات التركية أطلقت تحقيقات جنائية ضد عمدتي إسطنبول وأنقرة في حملات تبرع شبيهة بما يحدث في مدن أخرى يحكمها عمداء موالين لأردوغان، بينما منعت حكومة الرئيس حملة الخبز المجانية في بلدية مرسين التي كان يديرها حزب الشعب الجمهوري، وأغلقت مستشفى ميدانيا في أضنة التي يديرها حزب الشعب الجمهوري، والمطاعم التي يديرها الحزب ذاته في أنطاليا ومرسين وأسكي شهر.
وقالت الباحثة التركي في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية سينيم أدار، إن "الحكومة المركزية استخدمت هذا الخطاب الاستقطابي لتقويض واستبعاد الحكومات المحلية من تقديم المساعدة والخدمات للمواطنين".
واعتبرت أدار أن هذه الممارسات "ما هي إلا ضعف من جهة أردوغان في أعقاب خسائر الانتخابات في العام الماضي، والمشاكل الاقتصادية المستمرة"، حيث "لا يوجد منطق في الأساس لأي من هذه القرارات. أعتقد أنها تكشف أكثر من أي وقت مضى عن أزمة الشرعية السياسية للحكومة".
والتقى "أحوال" أوتكو شاكروزر، وهو عضو برلمان من حزب الشعب الجمهوري، عن مدينة أسكي شهر، حيث أصبح مطعما للفقراء يبلغ من العمر 25 عاما مصدرا مهما للطعام خلال فترة الوباء، قبل أن يتم إغلاقه بـ"أوامر عليا".
وقال شاكروزر: "كان المطعم يقدم الطعام فقط للمسنين والفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة، والطلاب والعاطلين والكثير من الناس والآلاف يحصلون على الغذاء هناك. لمصلحة من إغلاق هذا المطعم؟ لا أستطيع أن أفهم ذلك".
تقسيم البلاد
ويبدو أن أردوغان يعتقد أن ذلك يصب في مصلحته ومصلحة حزب العدالة والتنمية، لأنه يخشى ظهور حزب الشعب الجمهوري الذي تم إحياؤه، بقيادة عمدة إسطنبول إكرام إمام أوغلو، وعمدة أنقرة منصور يافاش.
لكن على العكس من ذلك، فإن شاكروزر قال: "أن تمارس ذلك إلى الحد الذي يجعلك تقسم البلاد، فإن الناس لن بشعروا بالراحة"، مشيرا إلى زيادة الفقر بعد أن فقد الملايين وظائفهم..
وترى أدار أنه "من خلال تقويض البلديات، فإن أردوغان يرسل لهم باستمرار رسالة مفادها (أنا أملك المحليات أيضا. لا يمكنكم فعل شيء يمكن أن أعتبره تحديا لي)".
في حين علق شاكروزر على ذلك، قائلا: "لا يريد أردوغان وحزبه أن يرى الناس مساعدة رؤساء بلدياتهم لهم في هذه الظروف الصعبة. إنها إستراتيجية سياسية واضحة للغاية لتعطيل البلديات وتشويه صورتها أمام الناس".
وتوقع "أحوال"، أنه "من المرجح أن يزداد عدد المصابين بالفيروس في أنقرة وإسطنبول ومرسين وإسكي شهر ومدن أخرى، وأن يموت المزيد بسبب مكائد أردوغان"، في إشارة إلى منع حملات التدخل المحلية لكبح جماح المرض الفتاك.
وقال جيفري ساش، الأستاذ بجامعة كولومبيا الأميركية، الذي عمل مع مسؤولين حكوميين أتراك رفيعي المستوى لمدة 4 عقود، لصحيفة "نيويوركر" هذا الأسبوع: "لم أر شيئا مثل نرجسية هذا الرجل. نشاهد أمامنا فشلا لسياسة الاستجابة تجاه الفيروس مع خسائر فادحة في الأرواح".
هذا هو الحال أيضا في المدن التي يديرها، أو التي كان يديرها سابقا، الحزب الجمهوري الشعبي، بعد أن عينت الحكومة ممثلين لها مستبدلين حكام 40 من أصل 65 بلدية فاز بها الحزب المؤيد للأكراد.
وبسبب الأداء الضعيف لهؤلاء المعينين، يشعر سكان هذه المدن أنه لم يعد لديهم أي مكان يلجأون إليه للمساعدة، حيث قال أحد سكان ماردين لـ"فرانس برس": "لا أحد يصغي على أي حال. لا يمكننا الشكوى لأي شخص".
تعليق