أثار توقيف لاجئ ليبي في بريطانيا، بعد تورطه في حادث طعن بمدينة رينيدغ، مؤخرا، عددًا من الأسئلة حول العلاقة التي توصف بـ"المعقدة" والشائكة بين بريطانيا ومتشددين ليبيين، بحسب صحيفة "ذا تايمز".
وجرى توقيف الليبي، خيري سعد الله، البالغ 25 عاما، بعدما أقدم على عملية طعن أودت بحياة ثلاثة أشخاص وإصابة آخرين، داخل متنزه جنوبي إنجلترا، في هجوم أُدرج ضمن "الأعمال الإرهابية".
وأوردت الصحيفة أن بريطانيا منحت حق اللجوء لعدد من المتشددين، بعدما جرى اتهام الزعيم لليبي الراحل، معمر القذافي، بسحق المتمردين على سلطته في 2011، أو حتى قبل ذلك، فيما كان رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، قد أجرى مفاوضات مع "العقيد".
وحينما وصل ديفيد كاميرون إلى رئاسة الوزراء في بريطانيا، دعم الجماعات الساعية إلى إطاحة القذافي، فتم السماح بسفر المئات من المهاجرين الليبيين ببريطانيا حتى يشاركوا في الحرب الأهلية الدائرة بوطنهم الأم.
"ضيوف متشددون"
ومن بين هؤلاء الذين غادروا يوجدُ أعضاء في الجمعية الإسلامية الليبية للقتال، وعدد منهم استقروا في مدينة مانشستر البريطانية بعد الهروب من نظام القذافي.
ويعد أبو أنس الليبي من أوائل عناصر الجماعة الذين وصلوا إلى بريطانيا، وتمكن من الحصول على حق اللجوء في تسعينيات القرن الماضي.
وفي سنة 1998، تم إدراج أبي أنس الليبي على قائمة أكثر الأشخاص المطلوبين من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، بعدما جرى الاشتباه في تورطه في هجوم تنظيم القاعدة على سفارات أميركية في شرقي إفريقيا.
لكن المتشدد الليبي لاذ بالفرار قبل قدوم عناصر الشرطة البريطانية إلى بيته في منطقة "شاتهام هيل"، وتمكن المحققون من العثور على كتاب يشرح فكر القاعدة ويقدم صورة عن تدريباتها والأهداف التي تضعها نصب العين في البلدان الغربية.
وتقول المصادر إن قوات أميركية تمكنت من اعتقال أبي أنس الليبي في العاصمة طرابلس، سنة 2013، لكنه توفي من جراء مرض السرطان قبل بدء محاكمته في نيويورك سنة 2015.
في 2004، قاد توني بلير جهودا لإدماج القذافي في المجتمع الدولي، وقام جهاز المخابرات البريطاني "إم آي سكس" بإبلاغ وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بمكان وجود زعيم الجماعة الإسلامية الليبية للقتال، عبد الحكيم بلحاج، في تايلاند.
وأضافت "ذا تايمز" أن عناصر من الاستخبارات الأميركية اعتقلوا بلحاج بشكل سري من بانكوك، ثم نقلوه إلى طرابلس حيث اعتقل إلى جانب زوجته، ويقال إنهما تعرضا للتعذيب.
عقب سقوط القذافي، بدأ بلحاج ملاحقة قانونية ضد بريطانيا حتى يدفع الحكومة، بما في ذلك وزير الخارجية السابق، جاك ستراو، إلى تقديم اعتذار.
وفي 2018، اعتذرت رئيسة الوزراء البريطانية وقتها، تيريزا ماي، لبلحاج وقالت إنه خضع مع زوجته لـ"معاملة فظيعة".
ووافقت لندن على دفع تعويض قدره نصف مليون جنيه إسترليني لعقيلته، فاطمة بوشار. وفي الوقت الحالي، أضحى بلحاج عنصرا فاعلا في الأزمة الليبية.
وفي حالة ثانية، عاد مقاتل آخر من الجماعة الإسلامية الليبية للقتال، إلى مدينة مانشستر مع عائلته، ويتعلق الأمر برمضان عبيدي الذي التحق ابناه سلمان وهاشم بتنظيم داعش الإرهابي.
وخطط الابنان لتنفيذ هجوم إرهابي في المدينة التي يعرفانها بشكل جيد جدا، وفي مايو 2017، قام سلمان، 22 سنة، بتفجير قنبلة انتحارية ضخمة وسط الحشود خلال حفل فني بمدينة مانشستر.
وأسفر الهجوم عن مقتل 22 شخصا وإصابة أكثر من 800. وفي شهر مارس من العام الحالي، استدعى القضاء البريطاني الابن الآخر، هاشم عبدي، للتحقيق بشأن جرائم قتل، بعد ترحيله من ليبيا. ولم يجر الاستماع إليه حتى الآن بسبب أزمة كورونا.
ذريعة حقوق الإنسان
ويقول مدافعون عن حقوق الإنسان إن هؤلاء المتشددين دخلوا إلى بريطانيا، فرارا من بلدان كانوا معرضين فيها للاضطهاد أو التعذيب على أيدي السلطات، وبالتالي، زاعمين أن قرار استقبالهم لم يكن خطأ من حيث المبدأ.
لكن الخطأ، بحسب قولهم، هو عدم مواكبة ومراقبة هؤلاء المتشددين على نحو حثيث، قبل أن ينضموا إلى جماعات إرهابية أو أن يترجموا قناعاتهم المتشددة إلى هجمات دامية، لاسيما أن شكوكا استخباراتية كانت تحوم حول عدد منهم.
ويرى منتقدو السلطات البريطانية، أن لندن تساهلت مع هؤلاء المتشددين، وهو ما أدى إلى إزهاق أرواح كثيرة، تحت ذريعة تقديم الحماية لأشخاص فروا من الحكومات إلى الخارج وصوروا أنفسهم بمثابة معارضين ونشطاء، بينما يقول الواقع إنهم غير ذلك، لأنهم لم يمارسوا العمل السياسي يوما، بل تحركوا في إطار تنظيمات متشددة تحض على الكراهية والعنف.
تعليق