صدّق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الخميس الماضي، على قرارات التخلص من جنرالات وقيادات كبيرة في الجيش التركي، وذلك عقب اجتماع مجلس الشورى العسكري الأعلى، عقد في المجمع الرئاسي التركي بالعاصمة أنقرة.
وخلال الاجتماع، قرر أردوغان الإطاحة بـ30 جنرالا وأدميرالا من قيادات الجيش وترقية أتباعه بدلًا منهم، كما قرر ترقية 17 جنرالا وأدميرالا، و51 عقيدًا عامًا للرتبة الأعلى، وتمديد فترة عمل 35 جنرالًا وأدميرالا لمدة عام، ومدّ فترة عمل 294 عقيدًا إلى عامين، حيث بلغ إجمالي التغييرات العسكرية التركية 447 قيادة.
وبحسب ما ذكرت وكالة "الأناضول" الرسمية، ووسائل إعلام تركية، فقد استمر الاجتماع المغلق الذي عقد برئاسة أردوغان، لمدة 45 دقيقة، وشارك فيه نائب الرئيس فؤاد أقطاي، ووزراء الدفاع خلوصي آكار، والعدل عبدالحميد غول، والداخلية سليمان صويلو، والخارجية مولود جاويش أوغلو، والخزانة والمالية بيرات ألبيرق، والتعليم ضياء سلجوق، كما شارك في الاجتماع رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة التركية يشار غولر، وقائد القوات البرية الجنرال أوميد دوندار، وقائد القوات البحرية الأدميرال عدنان أوزبال، وقائد القوات الجوية الجنرال حسن كوجك آقيوز.
وفق ما يقول سعيد صيفا، المحلل السياسي التركي ورئيس منصة ميدي ديم الإعلامية لـ"العربية.نت"، فإن ما يحدث ببساطة داخل الجيش التركي هو إعادة هيكلة تضمن سيطرة أردوغان ووزير الدفاع على الجيش تماما، وإحلال أتباعه بدلا من القيادات الرافضة لسياساته التوسعية، وتغيير عقيدته القتالية من جيش يندرج ضمن منظومة الناتو، وعقيدته القتالية الدفاع عن البلاد إلى جيش يلعب دورا توسعيا في عدة بلدان أخرى.
ولتفاصيل أكثر، يقول المحلل التركي، إنه ولفهم الهدف يجب العودة للعام 2010 عندما بدأ ما يسمى الربيع العربي، فقد اعتقد أردوغان أن الإجراءات التي اتخذتها الشعوب العربية للمطالبة بالديمقراطية ستتحول في النهاية إلى انتصار الإسلاميين السياسيين في العديد من البلدان، وكان اعتقاده أن نماذج الإسلام السياسي كانت مهيمنة في العديد من البلدان من مصر إلى سوريا، مما يعطي صورة من شأنها التوفيق بين الديمقراطية والإسلام، وحاولت إدارة أردوغان العودة من خلال تلك الثورات وتلك النماذج للمنطقة العربية، وإيجاد دور لتركيا، وبدأ في دعم مجموعات دينية تميل إلى التطرف في بعض المناطق والدول.
ويضيف أنه عندما اندلعت الحرب السورية في مارس 2011، كان أردوغان داعما لجماعات مسلحة ومتطرفة هناك، وهو ما تعارض مع توجهات الناتو الذي ما زالت تركيا عضوا فيه، ورغم تحذيرات واشنطن والغرب والناتو، لم يتخل أردوغان عن دعم الجماعات المتطرفة، ولم يتوقف عن فكرته في أنه سيلعب دور صانع الألعاب في الشرق الأوسط مع الغرب، ولذلك تعالت نبرات وارتفعت صيحات داخل الجيش التركي ومن قيادات كبيرة مؤيدة لتوجهات للناتو بعدم الارتياح تجاه هذا الدور الأردوغاني والتركي، ولم يكونوا مؤيدين للمشاركة في دعم جهات متطرفة في سوريا وليبيا وتدريب مرتزقة وجهاديين.
ويكشف المحلل التركي أن أردوغان وإزاء ذلك استغل فكرة الانقلاب المزعوم للإطاحة بهؤلاء القيادات وإحلال قيادات عسكرية ممن يعرفون بالأوراسيين داخل الجيش التركي، ومصطلح الأوراسي يطلق على القيادات العسكرية التي تميل لفكرة الانسلاخ من الناتو والتوجه نحو الصين وروسيا وإيران، ورغم أن القيادات الأوراسية كانت ترفض توجهات أردوغان وأيديولوجيته السياسية والأفكار العثمانية الجديدة، إلا أنهم وافقوا لاحقا على توجهاته على أمل تصعيدهم داخل المؤسسة العسكرية وعلى حساب القيادات الموالية للناتو.
ليس هذا فحسب كما يقول صيفا، بل زادت طموحات الأوراسيين وتوغلوا في مفاصل الدولة التركية، مثل القضاء والشرطة وأجهزة الأمن الداخلية مقابل دعمهم لسياسات أردوغان في الشرق الأوسط، وذهبوا جميعا لشراكة زادت كثيرا وتوطدت عقب انقلاب 2016 المزعوم.
مباشرة وكما يقول صيفا، وبعد الانقلاب المزعوم، تمت تصفية جميع القيادات الموالية للناتو في القوات المسلحة التركية، وتعيين القيادات الأوراسية مكانهم، وبالتوازي مع ذلك بدأ الرئيس التركي تشكيل طاقمه السياسي من الإسلاميين بعد أن اطمأن لخضوع الجيش للأوراسيين المؤيدين لتوجهاته في المنطقة. وكان من بين من يختارون قيادات هذه الطواقم السياسية وتشكيلاتها اسمان هما هاكان فيدان قائد جهاز المخابرات، وعدنان تانفرادي المستشار الأمني السابق لأردوغان، وأضيف إليهم اسم ثالث مؤخرا وهو خلوصي أكار، الذي غادر هيئة الأركان العامة في وقت لاحق وعين وزيرا للدفاع. وعهد للأخير وتانفرادي بمهمة جديدة وهي التخلص من بعض القيادات الأوراسية التي توغلت في الجيش منذ الانقلاب وأصبحت قوة كبيرة يخشى منها، وتغيير عقيدة الجيش من جيش تركي علماني عضو في الناتو إلى جيش توسعي عثماني يقاتل في الخارج لإعادة الخلافة ويدعم ويدرب الجماعات الراديكالية المتطرفة في دول مثل سوريا وليبيا والنيجر والصومال والسودان، ولذلك كانت قرارات المجلس العسكري الأعلى الأخيرة في هذا الاتجاه ولتحقيق هذا الهدف.
ويقول المعارض السياسي التركي محمد عبيد الله لـ"العربية.نت": إن القرارات التي اتخذها مجلس الشورى العسكري كانت ذات دلالات مهمة وتعكس التوازنات القائمة في المؤسسة العسكرية وتوجهاتها وعلاقاتها بين المعسكرين الأطلسي والأوراسي، مضيفا أن هذه القرارات مكنت خلوصي أكار وزير الدفاع، من التخلص من عشرات القادة الذين كانوا يتصارعون معه ويختلفون معه علانية على توجهاته في سوريا والعراق، وينتقدون خسائره العسكرية في ليبيا، ويسعون إلى تهميشه وتنحيته بينما احتفظ بقادة يعملون معه بانسجام وتتوافق رؤاهم مع توجهات أردوغان ومجموعته.
ويقول إن القرارات كشفت عن جانب آخر وهو كذب رواية أردوغان عن الانقلاب المزعوم، فقد تضمنت إحالة 30 جنرالاً وأدميرالاً للتقاعد، وفي مقدمتهم الفريق زكائي أكساكالي الذي كان قائدًا للقوات الخاصة أثناء الانقلاب، والجنرال إسماعيل متين تمال، وكانوا وفق روايات أردوغان وأجهزة إعلامه ضمن من أحبطوا محاولة الانقلاب، ما يعني أن القصة كلها مختلقة وملفقة، إذ يستحيل أن يضحي أردوغان بمن قدموا له خدمة جليلة كهذه وأبقوه في الحكم بإحباط انقلاب كان يهدف للخلاص منه والإطاحة من حكم تركيا.
تعليق