أكَّد سلطان الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة بدولة الإمارات على أهمية تطبيق نهج شامل وعملي يؤدي إلى تسريع مسارات مواجهة تداعيات تغيُّر المناخ وتحقيق تحوُّل جذري في آليات العمل المناخي، وذلك في أول كلمة له عقب تكليفه بمهمة الرئيس المعيّن للدورة الـ28 من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ COP 28.
وفي كلمة أمام منتدى الطاقة العالمي للمجلس الأطلسي، قال الجابر إنَّ دولة الإمارات تتعامل بمسؤولية وإدراك كامل لأهمية استضافتها لمؤتمر الأطراف COP28، وإنَّها ستركز على المساهمة في تحقيق الطموحات العالمية وتسريع العمل المناخي، مشدداً على الحاجة الملحّة لإحراز تقدم في تنفيذ أهداف اتفاق باريس.
وبخصوص أول حصيلة عالمية لتقييم التقدم المحرز في تنفيذ اتفاق باريس والتي سيشهد مؤتمر الأطراف COP28 إنجازها، أضاف: «لسنا بحاجة إلى انتظار هذا التقييم لكي نعرف نتائجه، فنحن بعيدون للغاية عن المسار الصحيح، والعالم لا يزال متأخراً في تنفيذ الهدف الرئيسي لاتفاق باريس، وهو تفادي تجاوز الارتفاع في درجة حرارة كوكب الأرض عتبة 1.5 درجة مئوية»، موضحاً أن تحقيق هذا الهدف، يتطلب خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 43% بحلول عام 2030.
وشدد الجابر على أنه برغم التحديات والتهديدات الواضحة الناجمة عن تغيُّر المناخ، فهناك فوائد اقتصادية كبيرة للاستثمار في الطاقة النظيفة والعمل المناخي، مشيراً إلى قصة نجاح دولة الإمارات في النظر إلى العمل المناخي كركيزةٍ أساسية ضمن خططها التنموية.
وأضاف أن دولة الإمارات التي تستضيف مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»، هي أول دولة في المنطقة وقَّعت وصدّقت على اتفاق باريس، وقدَّمت مساهماتها المحددة وطنياً، ووضعت خريطة طريق لتحقيق الحياد المناخي.
وعقب إشارته إلى أن أكثر من 70% من اقتصاد الإمارات أصبح يعتمد حالياً على قطاعات غير النفط والغاز، قال الجابر: «بصفتي الرئيس التنفيذي المؤسس لشركة مصدر ورئيس مجلس إدارتها، والرئيس التنفيذي لشركة أدنوك، سأواصل العمل على تحقيق رؤية وتوجيهات القيادة لخفض انبعاثات مصادر الطاقة الحالية، مع مواصلة الاستثمار في تطوير منظومة الطاقة المستقبلية النظيفة، وسنوظّف خبرتنا وطموحنا وشراكاتنا الوثيقة لإثراء النهج الذي سنتبعه في مؤتمر الأطراف COP 28».
ولفت إلى أن الرؤية بعيدة المدى لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة هي ركيزة أساسية لريادة الإمارات الإقليمية والعالمية في العمل المناخي ودورها كداعم عالمي للطاقة النظيفة، حيث استثمرت الإمارات 50 مليار دولار في التقنيات النظيفة على مستوى العالم على مدار الـ15 عاماً الماضية، وتخطط لاستثمار 50 مليار دولار إضافية في السنوات المقبلة.
وأوضح أن دولة الإمارات ستركز خلال مؤتمر الأطراف COP 28 على تحقيق تطور نوعي في منظومة العمل القائمة، وتسريع مسارات العمل لتحقيق مُستهدفات 2030، عبر شراكات وحلول ومُخرجات تساهم في إحداث نقلة نوعية إيجابية، وقال: «سنحرص على أن يكون مؤتمراً للتعاون وتضافر الجهود ومد جسور الحوار بين دول الشمال والجنوب، واحتواء القطاعين الحكومي والخاص، والمجتمع العلمي، والمجتمع المدني، والنساء، والشباب. كما نهدف أيضاً إلى أن يكون مؤتمراً عمليّاً يسهم في اتخاذ خطوات فعلية، ويرتقي بالطموحات، وينتقل بنا من وضع الأهداف إلى تنفيذها بشأن موضوعات التخفيف، والتكيّف، والتمويل، والخسائر والأضرار».
وفي مجال «التخفيف» من تداعيات تغيُّر المناخ، دعا سلطان الجابر إلى توسيع نطاق اعتماد مصادر الطاقة المتجددة والنووية والهيدروجين، وحلول التقاط الكربون وتعزيز كفاءة الطاقة، إلى جانب إنتاج النفط والغاز بأقل انبعاثات كربونية ممكنة، والاستفادة من التقنيات الجديدة.
وذكر أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية سجَّلتا نمواً قياسياً بلغ 550 غيغاواطاً بين عامَي 2020 و2022، وأنهما في طريقهما للنمو خلال السنوات الخمس القادمة بمعدلات تتجاوز إجمالي نسبة نموهما خلال الـ20 عاماً الماضية، وقال: «بالنظر إلى تطورات الأسواق، فإننا نمرُّ حالياً بمرحلة فاصلة من تاريخ قطاع الطاقة، فالمستقبل سيكون للنمو منخفض الانبعاثات، لذلك، علينا الوصول إليه بشكل أسرع».
وأشار إلى حاجة العالم إلى زيادة إنتاج الطاقة المتجددة بنحو ثلاثة أضعاف، من 8 إلى 23 تيراواطاً/ساعة بحلول عام 2030، وإلى زيادة إنتاج الهيدروجين منخفض الكربون بأكثر من الضِعف ليصل إلى ما لا يقل عن 180 مليون طن، وذلك لاستخدامه في القطاعات التي يصعب تخفيف انبعاثاتها، كما أكد على ضرورة تطوير النُظم الغذائية والزراعية، بالنظر إلى أن قطاع الزراعة مسؤولٌ عن ثلث الانبعاثات العالمية.
وأكَّد الجابر على ضرورة مواصلة التركيز على خفض الانبعاثات، وليس خفض معدلات النمو والتقدم، لافتاً إلى الحاجة إلى مزيد من الاستثمار في التكنولوجيا الزراعية، وتبني حلول ذكية في استخدام المياه وإنتاج الغذاء لتحقيق الانتقال في قطاع النظم الزراعية والغذائية الحيوي، بالتوازي مع القطاعات الأُخرى، وضرورة القيام بهذا في إطار زمني متسارع يستطيع تلبية الموعد النهائي الوشيك.
وفي ظل توقع بلوغ تعداد سكان العالم 9.7 مليار إنسان بحلول عام 2050، أشار إلى ضرورة زيادة إنتاج الطاقة بنسبة 30% مقارنةً بالمستويات الحالية، وضرورة توفير مصادر الطاقة الهيدروكربونية بأقل قدر ممكن من الانبعاثات طالما لا يزال العالم معتمداً عليها. وبخصوص «التكيّف»، أشار إلى الحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لحماية المجتمعات الأكثر تعرضاً لتداعيات تغير المناخ، والمنظومات البيئية، في مواجهة تقلبات المناخ القاسية وتدهور التنوع البيولوجي، وإلى ضمان قدرة منظومة الغذاء العالمية على الصمود في مواجهة أنماط الطقس المتقلبة التي تهدد المزارعين في أنحاء العالم.
كما أكد على أهمية الاستثمار في الحلول القائمة على الطبيعة، مثل أشجار القرم بوصفها حلولاً فعّالة في تخزين الكربون وحماية السواحل والحفاظ على مكوّنات البيئة الطبيعية ، ودعا إلى مضاعفة التمويل المُخصص للتكيّف في دول الجنوب ليصل إلى 40 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2025، للتمكّن من إنجاز هذا التقدم، كما دعا إلى تسهيل الحصول على التمويل المناخي وفق شروط مُيسَّرة.
وحول موضوع «التمويل» أضاف: «علينا أن نضمن أن كل دولار من التمويل المُيّسر يقابله دولاران أو ثلاثة من استثمارات القطاع الخاص. ولتحقيق ذلك، يتعيّن أن نستجيب لدعوة المجتمع الدولي بضرورة تطوير عمل بنوك التنمية متعددة الأطراف والمؤسسات المالية الدولية»، لافتاً إلى أن دولة الإمارات، بصفتها رئيس لجنة التنمية التابعة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، تعتزم القيام بدور استباقي وداعم لدعم هذا الهدف ولتحفيز العمل على هذا الإصلاح.
وفي موضوع «الخسائر والأضرار»، حثَّ الجابر العالم على مساعدة المجتمعات الأكثر تضرراً من تداعيات تغير المناخ من أجل إعادة البناء بعد الكوارث المرتبطة بالمناخ، والاستفادة من التقدم الذي تحقق في مؤتمر شرم الشيخ، وتفعيل عمل صندوق التعويض عن الخسائر والأضرار. وفي ختام كلمته، قال إنَّ الإمارات بصفتها الدولة المستضيفة لمؤتمر الأطراف COP 28، ستستفيد من موقعها كحلقة وصل بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب، وستحرص على الإنصات إلى الجميع، ومد جسور الحوار والتواصل، والتقريب بين وجهات النظر ضمن هذا الجهد الجماعي.
وقال الجابر: «بالتنسيق مع الأخت شما المزروعي، رائدة المناخ للشباب، والأخت رزان المبارك، رائدة المناخ، سنعمل جنباً إلى جنب مع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ للانتقال من الطموح إلى العمل، كما سنحشد جهود القطاع الخاص لتحقيق تأثير أكبر»، ووجه دعوة مفتوحة إلى كافة الأطراف، من حكومات وقطاع خاص ومجتمع مدني، للعمل معاً في إطارٍ من التعاون والتواصل وتبادل الخبرات وأفضل الممارسات، لتحقيق نقلة نوعية على مسار التقدم الملموس والإنجاز، والوصول إلى الحياد المناخي الذي يتيح إنجاز أكبر تحوّل جذري في الأسواق، كما سيكون أهم وأكبر تطور على المستويين الاقتصادي والبشري منذ الثورة الصناعية الأُولى.
جدير بالذكر أن منتدى الطاقة العالمي للمجلس الأطلسي يُعقد سنوياً ضمن فعاليات أسبوع أبوظبي للاستدامة، ويستضيف كبار صُنّاع القرار في مجال الطاقة والسياسة الخارجية من مختلف أنحاء العالم لدراسة الآثار الجيوسياسية والجيواقتصادية بعيدة المدى للتغيُّر في منظومة الطاقة، ويُعقد المنتدى بالشراكة مع وزارة الطاقة والبنية التحتية في دولة الإمارات، وشركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك»، وشركة مبادلة للاستثمار.
تعليق